كانت الليلة هادئة بشكل غريب، حينما قرر سامر التوغل في الغابة القريبة من قريته الصغيرة. أحاطت الأساطير بهذه الغابة، وحذر الكبار من الاقتراب منها بعد غروب الشمس، لكن فضوله تغلب عليه. كان سامر يبحث عن إجابات، فقد رأى في أحلامه مخلوقات غريبة وصوتًا يهمس باسمه وكأنه يدعوه.
عندما دخل الغابة، شعر بشيء مختلف في الهواء. الأشجار العالية بدت وكأنها تتنفس، والظلال التي خلفها القمر لم تكن عادية. كل خطوة كانت تملأه بالتوتر، لكنه كان مصممًا على المضي قدمًا. فجأة، لمح ضوءًا خافتًا ينبعث من بين الأشجار. اقترب بحذر ليجد دائرة من الأحجار تتوسطها زهرة غريبة تضيء بلون أرجواني.
بينما كان يقترب من الزهرة، سمع صوتًا قادمًا من الظلام: “لماذا أنت هنا؟”. تجمد سامر في مكانه، وعندما التفت، وجد كائنًا طويل القامة يقف في الظل. كانت عينيه تلمعان بلون فضي، وجسده شفاف كأنه مصنوع من الدخان. قال الكائن بصوت هادئ لكن مشحون: “لقد عبرت الحدود بين عالمك وعالمنا.”
شعر سامر بالخوف لكنه قرر ألا يظهر ذلك. قال بصوت ثابت: “جئت أبحث عن الحقيقة. حلمت بمكانكم، وسمعت صوتًا يدعوني.” ابتسم الكائن الغريب، وبدأت ملامحه تظهر بشكل أوضح. “إذا كنت هنا للبحث عن الحقيقة، فسيتعين عليك مواجهة الظلال. نحن مخلوقات الظل، نحمي أسرار هذه الغابة، لكننا لا نثق بالبشر بسهولة.”
قبل أن يستطيع سامر الرد، تغيرت الأجواء من حوله. الظلال بدأت تتحرك كما لو كانت حية. ظهرت مخلوقات أخرى من الظلام، بأشكال وأحجام مختلفة. بعضها كان صغيرًا وله عيون ساطعة، والبعض الآخر كان ضخمًا يتنقل بصمت مخيف. وقف سامر بينهم، لكنه شعر بأن الخوف الذي كان يثقل صدره بدأ يتلاشى تدريجيًا.
اقترب منه مخلوق آخر يشبه الثعلب، لكن عينيه كانتا بلون أزرق مشع. قال بصوت ناعم: “أنت هنا من أجل اختبار. الغابة لا تقبل أي دخيل. إذا كنت صادقًا في نيتك، فسوف ترشدك إلى ما تبحث عنه. وإذا كنت عكس ذلك… فلن ترى الضوء مرة أخرى.”
قاده المخلوق إلى ممر سري بين الأشجار. الطريق كان مليئًا بالظلال التي تتحرك بصمت. كان سامر يسمع أصواتًا، بعضها يشبه الهمسات وبعضها يشبه الصرخات المكتومة. شعر وكأنه يدخل عالمًا مختلفًا تمامًا. في نهاية الممر، وصل إلى بحيرة سوداء تبدو وكأنها مرآة تعكس السماء المرصعة بالنجوم.
قال المخلوق: “أمامك الاختيار الآن. هذه البحيرة تخفي سرًا قد يغير حياتك، لكن لا أحد يصل إلى أعماقها دون أن يثبت شجاعته. فقط من يواجه أعمق مخاوفه يمكنه العبور.”
عندما اقترب سامر من البحيرة، بدأت الظلال تتجمع حوله، مشكّلة دوامات من الدخان. فجأة، وجد نفسه في مشهد من طفولته. رأى صورة واضحة لنفسه عندما كان طفلًا، وحيدًا في زاوية مظلمة من المنزل، يبكي بسبب شعوره بالضعف. فهم سامر أن الغابة كانت تجبره على مواجهة مخاوفه الدفينة.
وقف أمام الظلال التي تمثل ماضيه، وتحدث بصوت قوي: “لم أعد ذلك الطفل الخائف. أنا هنا الآن، وسأواجه كل شيء.” بدأ المشهد يتلاشى، وعادت الغابة لتبدو هادئة مرة أخرى.
عندما فتح عينيه، وجد نفسه في مكان جديد تمامًا. كانت هناك مدينة قديمة مبنية من الأحجار السوداء، مضاءة بمصابيح تشع بألوان قوس قزح. كانت المخلوقات التي رافقته قد اختفت، لكن سامر شعر بأنه لم يعد وحده. صوت آخر خافت قال له: “لقد اجتزت الاختبار الأول، لكن رحلتك الحقيقية تبدأ الآن. أسرار الظلال أعظم مما تتخيل.”
بينما خطا سامر نحو المدينة القديمة، شعر بشيء غريب يتغير داخله. لم تكن تلك مجرد رحلة لاكتشاف المجهول، بل تحول إلى اختبار لعزيمته وهويته. كانت المدينة تنبض بالحياة رغم هدوئها. الأضواء الملونة التي تشع من المصابيح بدت وكأنها تناديه بلغة لا يفهمها، ولكن يشعر بها.
بينما كان يستكشف الأزقة الحجرية، سمع خطوات خلفه. التفت ليجد فتاة صغيرة تحمل عصا مضيئة، وعيناها تلمعان كالنجوم. قالت بصوت ناعم ولكنه حازم: “كنت أنتظرك. أنت المختار، لكنك لن تستطيع استكمال رحلتك وحدك.”
تفاجأ سامر وسألها: “من أنت؟ وكيف تعرفينني؟”
ابتسمت وقالت: “اسمي ليانا، وأنا حارسة المدينة. هنا تبدأ قصتك الحقيقية، وهناك من ينتظرونك في الظل.”
قادته ليانا عبر أروقة المدينة نحو بوابة كبيرة منقوشة برموز غريبة. عند اقترابه منها، بدأت الرموز تضيء واحدة تلو الأخرى، كما لو أنها تستجيب لوجوده. قالت ليانا: “هذه البوابة تؤدي إلى قلب الغابة الخفية، حيث يكمن سر مخلوقات الظلال. ولكن لتحصل على الإجابات، عليك أن تثبت ولاءك وتتحلى بالشجاعة.”
فتحت البوابة ببطء، وكشف المشهد عن أرض غارقة في الضباب، مليئة بأشجار ضخمة تشبه الأعمدة، وأصوات خافتة تشبه الغناء. وبينما كان سامر يستعد للدخول، ظهر رجل غامض يرتدي عباءة سوداء وقلادة تشع بضوء أخضر غريب.
قال الرجل بصوت عميق: “أنت لست وحدك يا سامر. هناك قوى أكبر مما تتصور تعمل ضدك، وأخرى تعمل لصالحك. عليك أن تختار حلفاءك بعناية.”
شعر سامر بارتباك كبير، لكن ليانا همست له: “لا تدعه يخيفك. أنت من يقرر مصيرك، ولكن احذر… كل اختيار له عواقب.”
تقدم الثلاثة معًا نحو أعماق الغابة، حيث أصبح الضباب أكثر كثافة، والأصوات أكثر وضوحًا. بدأت الأشكال تتحرك حولهم، وظهرت مخلوقات جديدة، بعضها بدا ودودًا، والبعض الآخر يبعث على القلق.
في وسط تلك الأرض الغامضة، ظهرت دائرة من الأحجار المضيئة. وقفت فيها امرأة ترتدي ثوبًا يشع بألوان الطيف، عيناها كالبحر الهادئ، وقالت: “مرحبًا بك، أيها الزائر. لقد تجاوزت الظلال الأولى، ولكن رحلتك الحقيقية تبدأ الآن. هناك قوة عظيمة تنتظرك، ولكن عليك أن تثبت أنك جدير بحملها.”
مدّت المرأة يدها نحو سامر، وفي تلك اللحظة شعر بطاقة دافئة تجتاح جسده. قالت: “اختر بحكمة، لأن الغابة تخبئ أسرارًا قد تغير مصير العالم بأسره. وأذكر دائمًا، ليس كل ما تراه هو الحقيقة.”
بينما كان سامر يستعد لاتخاذ قراره، كانت الظلال تتحرك في صمت، والمدينة تراقب في ترقب.
بينما كان سامر واقفًا في الدائرة المضيئة، شعر وكأن الزمن توقف للحظات. فجأة، ارتفع صوت عالٍ أشبه بصدى ضربات قلب الأرض نفسها، واهتزت الأرض من تحته. انفتحت الأرض عند أطراف الدائرة، ليظهر منها مخلوق ضخم بجناحين شفافين وعينين متوهجتين. المخلوق تحدث بصوت رخيم: “أنا فاروس، حارس الاختبار الأخير. لمن يسعى لفهم قوة الغابة، يجب أن يُظهر نقاء النية وصلابة القلب.”
نظر سامر إلى ليانا والرجل ذي العباءة السوداء، وكأنهما ينتظران منه الإجابة. قبل أن يتحدث، قطع صوت جديد الصمت. ظهرت شابة غامضة ترتدي زيًا محاربًا، وشعرها الفضي يتماوج مع الريح. كانت تحمل رمحًا مزينًا برموز مشابهة لتلك التي كانت على البوابة.
قالت الشابة بنبرة صارمة: “أنا كارما، من قبيلة الحراس القدامى. سامر، الغابة تخفي أكثر مما يمكنك تخيله. فاروس ليس هنا ليختبرك فقط؛ هو أيضًا حامي سر الظلال. ولكن لتصل إلى الحقيقة، ستحتاج إلى أكثر من القوة. ستحتاج إلى الثقة.”
نظرت كارما إلى الرجل ذي العباءة السوداء بازدراء وقالت: “ولا يمكنك الوثوق بكل من حولك.”
تبادل سامر نظراته بين الجميع. “من يمكنني الوثوق به إذن؟” سأل.
ردت ليانا بحزن: “الثقة تبدأ من داخلك، لكنك لن تعرف الحقيقة كاملة إلا بعد أن تفتح الأبواب السبعة في الغابة. لكل باب مفتاح، ولكل مفتاح تضحية.”
ظهرت فجأة مخلوقات الظلال بشكل واضح حولهم، لكنها لم تكن عدائية كما تصور سامر. بل بدت وكأنها تحاول التواصل. اقترب أحد المخلوقات، وكان أصغر حجمًا وله عيون براقة مثل النجوم. وضع يده على كتف سامر وقال: “الغابة ليست كما تظن. نحن لسنا أعداءً، ولكن هناك من يسعى لتشويه حقيقتنا.”
في تلك اللحظة، بدأ سامر يشعر بارتباك أكبر. هل يمكن أن تكون مخلوقات الظلال هي من تحمل الحقيقة التي يبحث عنها؟
بينما كانوا يتناقشون، ظهر شاب آخر، بدا وكأنه خرج لتوه من مغامرة طويلة. كان يحمل سيفًا يشع بالضوء وقال بصوت واثق: “اسمي زين، وأنا كنت في مكانك منذ سنوات. الغابة أعطتني القوة، لكنها أخذت مني شيئًا أثمن. كن حذرًا، فكل اختيار هنا يأتي بثمن.”
قرر سامر، بمساعدة ليانا وكارما، أن يبدأ رحلة البحث عن الأبواب السبعة. قادهم فاروس إلى مدخل وادٍ عميق، حيث كانت الأشجار ترتفع وكأنها تلامس السماء. كانت الرياح تحمل أصواتًا غامضة، وكأن الغابة تحاول توجيههم أو تحذيرهم.
عند أول باب، كان التحدي هو التضحية. طلبت الغابة منهم شيئًا عزيزًا. ليانا، دون تردد، أعطت قواها السحرية لتفتح الباب الأول. خلف الباب، وجدوا خريطة منقوشة على حجر قديم، تشير إلى موقع الباب الثاني.
لكن الرحلة لم تكن بهذه البساطة. على طول الطريق، كانت تظهر كائنات غريبة، بعضها ودود والآخر عدائي. زين أصبح الحامي الأساسي للمجموعة، مستخدمًا سيفه للدفاع عنهم. أما كارما، فكانت دائمًا في المقدمة، مرشدةً لهم عبر الفخاخ المخفية.
في لحظة من الهدوء، جلس سامر بجانب ليانا وسألها: “لماذا تثقين بي؟”
أجابته بابتسامة خافتة: “لأن الغابة اختارتك، وهذا يعني أن فيك شيئًا مميزًا. لكن تذكر، ليس الجميع هنا من يريد مصلحتك.”
مع كل باب جديد فتحوه، كانت الغابة تكشف لهم أسرارًا مذهلة عن ماضيها، وعن وجود قوى تحاول استغلالها. بدأت ملامح الحقيقة تتضح: هناك صراع قديم بين مخلوقات الظلال وأعداء غامضين يريدون السيطرة على قوة الغابة.
عند الباب الخامس، واجهوا شخصية جديدة، ساحرًا يدعى إيلياس، الذي زعم أنه يعرف طريقة لإنهاء اللعنة التي أصابت الغابة. لكنه طلب منهم شيئًا غريبًا: الثقة به دون سؤال.
المجموعة توقفت للحظة للتشاور حول قرار الثقة بإيلياس. كان الوقت يمضي بسرعة، والغابة بدت وكأنها تتغير بشكل مستمر، مع أصوات جديدة تظهر من أعماقها وكأنها تحذرهم.
قال زين بحزم: “لا يمكننا الوثوق بأي شخص بسهولة، خاصة في مكان مليء بالخداع كهذا. إيلياس قد يبدو صادقًا، لكن ماذا لو كان هو السبب في الظلام الذي يخيم على الغابة؟”
كارما، بدورها، نظرت إلى إيلياس بتمعن. “الغابة تختبرنا، وقد تكون إيلياس جزءًا من هذا الاختبار. إن كنا سنثق به، يجب أن نضع حدودًا ونراقب كل خطوة.”
إيلياس، الذي بدا عليه الصبر رغم التوتر، قال: “أنا لا أطلب ولاءكم. فقط أطلب فرصة. هناك أشياء تعرفها الغابة لا يمكنكم استيعابها الآن. لكن إن لم تعملوا معي، فإن الأبواب السبعة لن تكون سوى البداية لمعاناتكم.”
سامر، الذي كان يحمل عبء القيادة، قرر أخيرًا: “سنمنحك فرصة، إيلياس. لكن تذكر، أي خيانة منك ستكلفك حياتك.”
تحركت المجموعة باتجاه الباب السادس، وكان إيلياس يقود الطريق. على طول الطريق، بدأت مظاهر الظلام تصبح أكثر وضوحًا. الأشجار الملتوية بدأت تتحرك كأنها تحمل أرواحًا معذبة، والرياح الباردة همست بأصوات غامضة.
عند الباب السادس، وجدوا عقبة جديدة: متاهة زمنية. كلما تقدموا داخلها، كانوا يعودون إلى نفس النقطة. بدت الغابة وكأنها تلعب بعقولهم.
قال إيلياس بهدوء: “المتاهة ليست مكانًا للذكاء، بل هي اختبار لثبات الروح. عليكم أن تواجهوا مخاوفكم.”
فجأة، انقسمت المجموعة. كل فرد وجد نفسه في مواجهة مشهد من ماضيه أو مستقبله. سامر رأى نفسه وحيدًا، وقد دمر الظلام الغابة بالكامل. ليانا رأت فقدانها لقواها بشكل دائم. زين واجه خيانة شخص كان يثق به، وكارما رأت نفسها محاصرة في ظلام لا نهائي.
إيلياس، الذي كان يراقب من بعيد، بدأ يتمتم بتعاويذ غامضة. شيئًا فشيئًا، بدأت المتاهة تنفتح، وكأنها تستجيب لقوته. لكن عندما خرجوا، وجدوا أن أحدهم قد اختفى: ليانا.
صرخ سامر: “أين هي؟ ماذا فعلت؟”
رد إيلياس بهدوء: “المتاهة أخذتها لأنها لم تستطع التغلب على مخاوفها. كل واحد منكم معرض لذلك إن لم تثبتوا أنفسكم.”
كان الصمت يخيم على المجموعة، لكن سامر قرر أن يستمر، عاقدًا العزم على استعادة ليانا بأي وسيلة.
عند الوصول إلى الباب السابع، كانت هناك لوحة عملاقة عليها نقوش تمثل مخلوقات الظلال وقوى أخرى تقاتل في معركة عظيمة. قال إيلياس: “هذا هو مفتاح الحقيقة. الباب السابع ليس بابًا فعليًا، بل هو اختيار. إما أن تقبلوا الحقيقة كما هي، أو تحاولوا تغييرها، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها.”
تقدمت كارما أولاً. “أريد الحقيقة.” وضعت يدها على اللوحة، وانفتحت فجأة دوامة من الضوء ابتلعتها.
زين كان أكثر حذرًا. “إن كانت الحقيقة تعني فقدان من أحب، فأنا أرفض.” لكن قبل أن يتمكن من المغادرة، جذبه الضوء.
وأخيرًا، جاء دور سامر. نظر إلى إيلياس، الذي قال له: “أنت المفتاح الأخير. الغابة اختارتك، وعليك أن تختار: هل ستقف مع الظلال أم ضدها؟”
سامر، الذي كان يشعر بثقل القرار، وضع يده على اللوحة. فجأة، انفتح الباب الأخير، وكان خلفه مخلوق عملاق، يجمع بين الظلام والنور. قال المخلوق: “أنت الآن جزء من المعركة، سامر. اختر بحكمة، فمصير الغابة والظلال يعتمد على قرارك.”
بينما وقف سامر أمام المخلوق العملاق الذي كان يجمع بين الظلام والنور، شعر بثقل القرار الذي أوكل إليه. كانت الغابة تتنفس بصعوبة، كأنها تنتظر قراره بفارغ الصبر. لم يكن هناك وقت للتردد؛ كل ما رآه واختبره قاده إلى هذه اللحظة.
قال المخلوق بصوتٍ عميق يتردد كالرعد: “لكل ظلام نور، ولكل نور ظل. قرارك لن يغير مصير الغابة فقط، بل سيعيد تشكيل التوازن بين العوالم. اختر بحكمة.”
تذكر سامر أصدقاءه، تذكر ليانا التي فقدوها في المتاهة، وزين وكارما اللذين ابتلعهما الضوء، وتذكر إيلياس الذي وقف بجانبه الآن بعينين لا تخفيان أسرارًا عميقة.
سأل سامر المخلوق: “وما هو الثمن؟”
رد المخلوق: “الثمن هو أنت. لتعيد التوازن، يجب أن تصبح أنت الحارس الجديد للغابة. ستفقد حياتك كما تعرفها، وستصبح جزءًا منها إلى الأبد.”
نظر سامر إلى إيلياس الذي قال له: “هذا هو الطريق الذي اخترته أنا قبلك. لكن الغابة تحتاج الآن دمًا جديدًا. مصيرها يعتمد على تضحية واحدة.”
شعر سامر بنبضات قلبه تتسارع، لكنه أدرك أنه لا يمكنه التراجع. قال بحزم: “إذا كان هذا ما يلزم لإنقاذ الغابة وأصدقائي، فسأفعل.”
اقترب سامر من المخلوق ووضع يده على صدره المتوهج. فجأة، اندلع ضوء ساطع ملأ الغابة بأكملها. بدأت الأشجار الملتوية تستقيم، والأرواح الحزينة تتحرر، وأصبحت الغابة مرة أخرى مليئة بالألوان والحياة.
ظهر زين وكارما بالقرب منه، منهكين لكن سالمين. ليانا عادت أيضًا، وعينيها تحملان دهشة وسعادة.
لكن سامر لم يكن كما هو. تحولت ملامحه تدريجيًا، وأصبحت عيناه تتوهجان بلون أخضر غامق. قال لهم بصوتٍ مختلف، يحمل عمقًا وسكينة: “أنا الآن جزء من الغابة. لن أكون معكم بعد الآن، لكنني سأحمي هذا المكان إلى الأبد.”
ركضت ليانا نحوه، لكنها توقفت عندما بدأت أطرافه تذوب في الأرض، وكأنه يندمج مع الطبيعة. كانت كلماته الأخيرة: “أصدقائي، حافظوا على التوازن الذي حاربنا من أجله.”
اختفى سامر بالكامل، وترك خلفه زهرة صغيرة نبتت في المكان الذي وقف فيه، تتوهج بألوان لا تشبه أي شيء رأوه من قبل.
وقفت المجموعة حول الزهرة، ودموعهم تلمع في عيونهم. قال زين: “لم يذهب بعيدًا. هو الآن هنا، في كل مكان من هذه الغابة.”
مع مرور الوقت، أصبحت الغابة مكانًا مقدسًا يُروى فيه عن تضحية سامر وقوته في إعادة التوازن. أصبحت الزهرة رمزًا للأمل، ومصدرًا لقوة الغابة التي استمدت طاقتها من قلبه النقي.
وهكذا انتهت مغامرة سامر، لكن إرثه استمر للأبد في قلوب أصدقائه، وفي كل شجرة وورقة في الغابة التي أنقذها.