حارس الغابة: سر الشجرة المقدسة

في أعماق غابة كثيفة تُدعى “غابة الظلال”، كانت الأشجار العالية تغطي السماء وتمنع أشعة الشمس من اختراقها. هذه الغابة كانت معروفة بين سكان القرى المجاورة بسبب أسرارها وقصصها المخيفة التي تناقلها الأجيال. في وسط هذه الغابة، كانت تقف “الشجرة المقدسة”، شجرة قديمة، ضخمة، ذات أغصان ملتوية تشع بريقًا باهتًا، وكان يُقال إنها تحمل قوةً خاصة وحارسا يدعى حارس الغابة، قوةً تجعلها ترتبط بروح الغابة بأكملها. يعتقد أهل القرى أن الشجرة تمتلك حكمة قديمة، وأنها ترعى الغابة وتتحكم في توازنها البيئي.

كانت حراسة الشجرة مسؤولية تُسند لعائلة قديمة يُطلق عليها “عائلة الحراس”. هذه العائلة تعيش في كوخ صغير على أطراف الغابة، وكانوا يعتبرون أن مهمتهم هي حماية الشجرة من كل من يسعى لاستغلال قوتها. بين أفراد هذه العائلة، كان الشاب “رعد” هو الحارس الحالي للشجرة. كان رعد شابًا قويًّا، شجاعًا، ذا نظرة حادة، عاشقًا للطبيعة. كان يعتقد أن حياته بأكملها مكرسة لخدمة الشجرة، وكان يجد في هذا الدور معنى عميقًا للوجود.

نشأ رعد منذ صغره على احترام هذه الشجرة، تعلم من والده، الذي كان الحارس السابق، أن الشجرة ليست مجرد نبات عادي، بل هي رمز الحياة والطبيعة، وأنه يجب أن يحميها حتى لو اضطر لتقديم حياته. كان يُقال إن الشجرة تستطيع أن تمنح الحارس بعضًا من قواها إذا كان مخلصًا لها حقًا، لكن رعد لم يكن متأكدًا إن كان هذا حقيقيًّا أم مجرد أسطورة.

مرّت الأيام، وكان رعد يتجول في الغابة يوميًّا، يفحص الأشجار، ويستمع لأصوات الطبيعة. كان بإمكانه أن يشعر بتدفق الحياة في الغابة، كأنه جزء من كيان حيّ. وبمرور الوقت، أصبح يرى الأشجار والأوراق والحيوانات كمخلوقات ذات أرواح تتحدث إليه بلغةٍ لا يسمعها غيره. كل شيء كان يهمس له بأسرار الطبيعة.

لكن رغم السكون الذي كانت تتمتع به الغابة، بدأت الأمور تتغير ببطء. لاحظ رعد أن بعض الأشجار بدأت تذبل دون سبب واضح، وأن الطيور لم تعد تغرد كما كانت من قبل. بدأ يشعر أن هناك شيئًا غريبًا يحدث في الغابة، وكأن قوة غامضة تحاول تغيير توازن الطبيعة.

في إحدى الليالي، وبينما كان رعد يسير نحو الشجرة المقدسة، لاحظ آثار أقدام غريبة تحيط بالشجرة. كانت آثارًا جديدة، وكأن شخصًا ما قد اقترب من الشجرة في غيابه. شعر رعد بالقلق وبدأ يتساءل من الذي يجرؤ على الاقتراب من الشجرة دون علمه؟ حاول تتبع الآثار، لكنها كانت تتلاشى بين الأشجار الكثيفة.

بعد عدة أيام، ظهر رجل غريب في القرية المجاورة للغابة. كان يُدعى “سامر”، وادعى أنه عالم نباتات جاء لاستكشاف الغابة ودراسة الشجرة المقدسة. كان سامر يملك أسلوبًا لبقًا وكلماتٍ سلسة، واستطاع بسرعة كسب ثقة بعض سكان القرية. كان يدّعي أن الشجرة تحمل أسرارًا علمية قد تساعد البشرية إذا ما استطاع الوصول إليها. كان يتحدث بثقة ويعرف الكثير عن النباتات، لكن رعد لم يكن مرتاحًا له. فقد شعر بأن سامر يخفي شيئًا وراء ابتسامته وكلماته المعسولة.

حاول رعد تحذير أهل القرية، لكنهم لم يستمعوا له، بل بدأوا يتهمونه بأنه متحفظ أكثر من اللازم، وأن عليه السماح للعلماء باستكشاف أسرار الغابة. حتى أن بعضهم ذهب إلى حد اتهامه بأنه لا يريد أن يكشف سر الشجرة المقدسة لأحد، حتى لو كان هذا لصالح القرية.

مع مرور الأيام، أصبح سامر يتردد على الغابة بشكل منتظم، وكانت حركاته تثير قلق رعد. كان يقترب من الشجرة المقدسة، يتفحصها، وأحيانًا كان يلمس جذعها بطريقة غريبة، وكأنما يحاول تفعيل شيء ما بداخلها. كانت الشجرة تشعر بوجوده، ورعد كان يشعر بغضبها الصامت، وكأنها ترفض هذا التدنيس لحرمتها.

ذات ليلة، وبينما كان رعد يجلس بمفرده قرب الشجرة، سمع صوتًا غريبًا قادمًا من أعماق الغابة. كان صوت همسات لا تُشبه صوت الرياح، همسات خافتة تزداد قوة كلما اقترب منها. وقف رعد على قدميه واتجه نحو الصوت، وكان قلبه ينبض بشدة، فهذه الهمسات كانت تشبه نداءً غريبًا. وبينما كان يقترب أكثر، وجد نفسه أمام شبح شجرة صغيرة تبدو وكأنها نسخة مُصغرة من الشجرة المقدسة.

تحدثت الشجرة الصغيرة إلى رعد بلغة لا يفهمها الإنسان العادي، لكن رعد استطاع فهم ما تقوله. كانت الشجرة الصغيرة تحذره من أن سامر لا يبحث عن العلم، بل يسعى للسيطرة على قوة الشجرة المقدسة واستغلالها لأغراض شريرة. عند سماعه هذا التحذير، شعر رعد بثقل المسؤولية على كتفيه، فقد كان هو الوحيد القادر على حماية الشجرة من هذا التهديد.

في اليوم التالي، قرر رعد مواجهة سامر والتحدث إليه مباشرة. قال له بصوت صارم: “أعلم أنك هنا لسبب آخر غير العلم، لا تحاول خداع أهل القرية بأكاذيبك.” لكن سامر ضحك بسخرية وقال: “وماذا ستفعل يا حارس الغابة؟ هذه الشجرة تملك قوة عظيمة، ويحق للبشر استغلالها بدلًا من تركها هنا دون فائدة.”

شعر رعد بالغضب من كلمات سامر، وأدرك أنه لا بد من فعل شيء سريع لحماية الشجرة. وفي تلك الليلة، وبينما كان القمر يضيء الغابة بنوره الهادئ، قرر رعد أن يبقى بجانب الشجرة طوال الليل.

عند منتصف الليل، وبينما كانت الغابة ساكنة، ظهر سامر مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم يكن بمفرده. كان معه مجموعة من الرجال الغرباء، يحملون أدوات حادة ومشاعل، ويتحركون بحذر نحو الشجرة المقدسة. شعر رعد بالغضب والغليان في داخله، وأمسك بسيفه، مستعدًا للدفاع عن الشجرة حتى الموت.

تقدّم سامر نحو الشجرة وقال: “لقد حان الوقت، هذه الشجرة ستصبح ملكي.” وقبل أن يكمل كلامه، انقض عليه رعد بشجاعة واندفع وسط الرجال محاولًا إبعادهم عن الشجرة. كانت المعركة عنيفة، ورعد يقاتل بكل قوته، لكن عددهم كان كبيرًا وكانوا مسلحين جيدًا.

في لحظة ضعف، شعر رعد أنه على وشك السقوط، وأنه قد لا يستطيع حماية الشجرة بمفرده. لكنه في تلك اللحظة، سمع صوتًا قادمًا من الشجرة نفسها، كان الصوت يشبه نداءًا خفيًّا يدعوه للالتصاق بالشجرة. وضع يده على جذع الشجرة، وفجأة شعر بطاقة هائلة تجري في جسده، كأن الشجرة قد منحته جزءًا من قوتها.

استعاد رعد قوته، ونهض ليدافع عن الشجرة مرة أخرى. كان الرجال الغرباء ينظرون إليه بدهشة، فقد بدا وكأنه محاط بهالة من النور. استخدم قوته الجديدة لمهاجمة أعدائه، وأطلقت الشجرة موجة من الطاقة التي أحاطت بالغرباء، مما جعلهم يفرون في رعب.

بعد هروب الأعداء، وقف رعد بجانب الشجرة، يشعر بالامتنان لها. كانت الشجرة قد ساعدته في حمايتها، وأدرك أنها ليست مجرد شجرة بل كائن حي يحمل حكمة وقوة. أصبح رعد أكثر اقتناعًا بمسؤوليته، وأدرك أنه يجب أن يظل حارسًا مخلصًا لهذه الشجرة المقدسة مدى حياته.

وهكذا، أصبحت قصة “حارس الغابة: سر الشجرة المقدسة” أسطورة تُروى بين الأجيال، قصة تجمع بين الشجاعة، والإخلاص، وقوة الطبيعة. لم تكن مجرد حكاية عن شاب شجاع واجه الخطر وحسب، بل أصبحت رمزًا للأمل والوحدة بين الإنسان والطبيعة.

في كل موسم حصاد، يجتمع أهالي القرى المجاورة ليحتفلوا بما يعرف بـ”مهرجان الشجرة المقدسة”، حيث يقوم الجميع بإحضار النباتات والزهور ووضعها حول الشجرة كنوع من التقدير والعرفان. الأطفال يستمعون بشغف للقصص التي ترويها الأجيال الأكبر سنًا عن رعد، الذي أصبح رمزًا للبطولة، ويتطلعون لأن يصبحوا مثله في يوم ما، مخلصين للغابة والطبيعة من حولهم.

كانت الأجيال تعلّم أطفالها أن يكونوا حماة للأرض، وأن يروا في الطبيعة روحًا تستحق الاحترام والحماية. وغدت قصة رعد تذكرة لهم بأن الغابة ليست مجرد مكان بل كائن حي، يحتاج إلى العناية والحماية.

ومع مرور الزمن، بدأت أسطورة رعد والشجرة المقدسة تمتد إلى خارج حدود القرية. فقد سمع الزائرون والعلماء عن القصة، وأصبح البعض يزور الغابة ويشعر بقدسية الشجرة، بينما ينقلون حكاية الحارس الشجاع إلى مناطق أخرى. أصبحت الشجرة رمزًا للسلام والتوازن، وأيقونة تُذكِّر الجميع بأن القوة ليست في السيطرة بل في العطاء.

وقد كان هناك نصب تذكاري صغير بجانب الشجرة، يحمل اسم رعد، محفورًا عليه جملة تقول: “لنحيا في سلام مع الطبيعة، ولنتذكر أن قوتنا الحقيقية تأتي من احترامها.”

في أعماق الغابة، بعد مرور سنوات على تلك المعركة الحاسمة، استقر رعد بالقرب من الشجرة المقدسة، يتبع نفس الروتين اليومي؛ يراقب نمو الأشجار، ويحرس الغابة من أي تهديد. ومع مرور الوقت، أصبح أقل اهتمامًا بما يجري في القرى المجاورة، عازلًا نفسه عن العالم الخارجي. كان يظن أن الغابة قد استقرت وأن أعداء الشجرة قد ابتعدوا، لكنه كان مخطئًا.

في إحدى الليالي المظلمة، بينما كانت الرياح تعصف بالغابة، شعرت الشجرة بشيء غريب في الهواء. كانت الأشجار تتنهد بشكل غير طبيعي، والأنهر الصغيرة التي كانت تتدفق بشكل هادئ توقفت فجأة. كان هناك تغيير غامض يقترب. وفي تلك اللحظة، ظهر شخص جديد في الغابة، امرأة غريبة تُدعى “سلافا”. كانت قد انتقلت حديثًا إلى القرية المجاورة، ولم يكن أحد يعرف الكثير عنها.

سلافا كانت شخصية غامضة، تمتاز بعينين حادتين وشعر طويل أسود كالسواد الكاحل. كان وجهها مشبعًا بالحزن، لكن عيناها كانت تحملان بريقًا من القوة والحكمة. منذ أن وصلت إلى القرية، كانت تتحدث عن الغابة والشجرة المقدسة بشكل غريب، كما لو كانت على دراية بكل تفاصيلها.

في أول يوم التقت فيه سلافا برعد، كانت محادثتهما قصيرة، لكنها مليئة بالغموض. قالت له: “أنت الحارس، أليس كذلك؟” نظر إليها رعد بدهشة، فهي كانت تعرف من هو رغم أنه لم يرها من قبل. رد رعد بصوت منخفض: “نعم، وأنا أراقب الغابة لأحميها، لكنك… كيف عرفت عن الشجرة؟”

ابتسمت سلافا ابتسامة غامضة وقالت: “لقد جئت من أجلها. الشجرة ليست فقط مصدر قوة. هي بوابة. بوابة إلى عالم آخر. عالم قد يهدد هذا العالم إذا لم يتم التعامل معها بحذر.”

لم يفهم رعد تمامًا ما تعنيه سلافا، لكن شعر بشيء غريب في كلماته. كان هناك نوع من الإلحاح في صوتها، كأنها لا تكشف كل شيء، ولكنها تعرف ما هو قادم. بدأ رعد يشعر بأن هناك تهديدًا جديدًا يلوح في الأفق، وكان عليه أن يتخذ قراراته بحذر.

بعد أيام قليلة، اختفت سلافا من القرية، واختفى معها الشعور بالسلام الذي كان يحيط بالغابة. بدأ رعد يلاحظ علامات غريبة: الأشجار بدأت تذبل في مناطق معينة، وأصوات غير مألوفة كانت تتسرب من أعماق الغابة. بدأ يشعر بوجود شيء غريب يهدد الطبيعة نفسها.

ثم في إحدى الليالي، بينما كان يتجول بالقرب من الشجرة المقدسة، شعر بوجود طاقة مظلمة. كان الهواء ثقيلًا، وكأن شيئًا ثقيلًا يضغط على صدره. وبينما كان يقترب من الشجرة، رأى شخصًا آخر يقترب أيضًا. كانت سلافا، لكنها كانت تبدو مختلفة تمامًا. عيونها كانت مليئة بالحزن، وعندما التقت عيونها بعين رعد، شعرت وكأنها تحاول تحذيره من شيء ما.

“لقد حان الوقت”، قالت سلافا بصوت منخفض، ثم أضافت: “الشجرة ليست مجرد شجرة، هي مفتاح. مفتاح إلى شيء أكبر، شيء لا يمكننا السيطرة عليه.”

قبل أن يتمكن رعد من الرد، اهتزت الأرض من تحتهم، وظهرت فجأة بوابة ضخمة على مقربة من الشجرة. كانت بوابة مظلمة، وكأنها تحتوي على عالم آخر. ومع ظهورها، بدأت الأشجار المجاورة تتحرك بشكل غير طبيعي، وتحوّلت إلى كائنات ضخمة وكأنها حراس لهذا البوابة. كانت هذه المخلوقات غريبة، جسمها مغطى بالقشور، وعينها تتوهج بلون أرجواني.

نظر رعد إلى سلافا بقلق وقال: “ماذا يحدث؟”

أجابته سلافا بصوت ضعيف: “لقد حان وقت الكارثة. الشجرة لم تكن أبدًا مجرد قوة للحماية. كانت قيدًا. هذه المخلوقات كانت محبوسة في هذا العالم، والشجرة كانت تمنعهم من الخروج. الآن، لن يكون لدينا سوى خيار واحد.”

قالت الكلمات الأخيرة بصوت يملؤه الحزن. وبينما كانت رعد يفكر فيما يجب عليه فعله، بدأت المخلوقات تقترب بسرعة. كان يعتقد أنه قد حان الوقت لاتخاذ قرار. إما أن يدافع عن الشجرة والمخلوقات التي كانت تحاول تحرير نفسها، أو أن يتعاون مع سلافا لفهم حقيقة ما يحدث.

لم يكن لديه وقت كافٍ للتفكير. تقدم بسرعة نحو الشجرة، ممسكًا بسيفه، مستعدًا لملاقاة المخلوقات التي ظهرت فجأة. كانت سلافا تقف بجانبه، تتأمل المشهد، وكأنها تراقب الأحداث وهي على دراية بما سيحدث بعد ذلك.

وما أن اقتربت المخلوقات منهما، حتى بدأ يضيء السماء حولهم، وكان ضوء غير مسبوق ينبعث من الشجرة نفسها. فجأة، انفجرت طاقة ضخمة حول الشجرة، وعصف الرياح بكل شيء في محيطها، كأنها كانت ترفض السماح لأي شيء باقتحام حدودها.

اللحظة التي كانت فيها الرياح تعصف بكل شيء، ظهر أمامهم حارس غامض آخر، رجل كبير في السن، ملامحه صلبة كالصخر، وكان يرتدي عباءة داكنة. كان وجهه عابسًا، وعيناه مليئتان بالذكريات القديمة. اقترب من الشجرة وقال بصوت هادر: “لقد انتظرنا طويلًا، وكان الوقت قد حان.”

كان الرجل يعرف تمامًا ما سيحدث، وتبدو عينيه مليئة بالألم، كأنه كان يشارك في مأساة قديمة لا يمكن تغييرها.

بينما كان الرجل الغريب يتقدم نحو الشجرة، استدار رعد وسلافا لمواجهته. كان الإحساس بأنهم أمام لحظة فارقة يملأ الجو. كانت الغابة تصمت تمامًا، وكأنها تنتظر ما سيحدث. وقف الرجل أمام الشجرة، عينيه تغلقان ويفتحهما بشكل بطيء، كأنهما تتأملانها بعمق، ثم قال بصوت منخفض لكن حازم:

“لم يكن من المفترض أن يتم فتح البوابة. لقد أخطأنا عندما سمحنا للقوة القديمة أن تخرج. الآن، لا يمكننا إغلاقها إلا بثمن باهظ.”

كانت كلمات الرجل تحمل شيئًا من اليأس، لكن في نفس الوقت، كان هناك شعور قوي من الإصرار في صوته. كانت سلافا تقف بجانب رعد، عينيها تتسلقان الساحة كما لو كانت تبحث عن إجابة في أعماق الغابة نفسها.

“من أنت؟” سأل رعد، صوت فضوله يعكر صمت اللحظة.

“اسمي ‘كادوس’… أنا أحد آخر الحراس القدماء، الذين قاموا بمراقبة الشجرة وحمايتها قبل أن تسقط في أيدٍ غير أمينة. وقد تركتني مهمتي القديمة منذ وقت طويل، لكن لم أستطع الهروب من القدر. الآن، حان الوقت للمواجهة.”

في هذه اللحظة، شعر رعد أن كل شيء بدأ يتضح. هذه الشجرة لم تكن مجرد مصدر للطاقة أو رمز للسلام كما كان يعتقد، بل كانت قيدًا لقوة قديمة كانت حبيسة لعصور طويلة. كان الكائنات التي ظهرت من البوابة جزءًا من هذا الكائن العظيم، الذي كان يسعى للعودة إلى هذا العالم.

“أنت… لماذا أخبرتني بأن هذه الشجرة هي مصدر قوتك؟ لماذا لم تخبرني بالحقيقة منذ البداية؟” سأل رعد، وجهه يظهر ملامح غضب مكبوت.

أجابت سلافا بصوت ضعيف: “كنت أخشى. كنت أخشى أن تعلم، وأن تكتشف أن الخطر الذي كنا نمنعه هو أكبر من قدرتنا. الحقيقة أن الغابة والشجرة كانت تحبس قوتهم. وإذا فتحنا الباب… كل شيء سيتغير.”

قال كادوس وهو يرفع يده محاولًا تهدئة الموقف: “الوقت لا يرحم. فتح البوابة ليس خطأكم، ولكنكم جميعًا ستتحملون عواقب هذا القرار. لا مفر. سيتعين عليكم الاختيار: إما أن تقاتلوا، أو أن تفتحوا الطريق لهم بكل ما فيه من مخاطر.”

كانت الكلمات تدوي في ذهن رعد، وكان يشعر أن خيارًا صعبًا يلوح أمامه. كل شيء كان على وشك أن ينهار. بينما كانت المخلوقات تقترب أكثر، والبوابة تتسع لتكشف عن عالم مظلم خلفها، كانت سلافا تنظر إلى رعد بعينين مليئتين بالحزن، وعينها تعكس ضوء الشجرة الذي بدأ يتلاشى.

ثم، فجأة، حدث شيء غير متوقع. ظهر أمامهم ضوء غير عادي، كان ينبعث من الشجرة نفسها، وكأنها كانت تحاول الدفاع عن نفسها. القوة التي أطلقتها كانت أقوى من أي شيء شعروا به من قبل. دفعتهم الرياح بعيدًا، وانفتحت أمامهم البوابة بشكل أوسع.

“انظروا!” صرخ كادوس وهو يشير إلى الفضاء وراء البوابة.

كانت هناك صور مظلمة تتشكل ببطء، كأنها تهديدات غير مرئية تلوح في الأفق. كان هناك عالم موازٍ، مليء بالمخلوقات التي لم يرها أحد من قبل. عالم مظلم، مليء بالأبراج المهدمه، والشوارع المظلمة، وأرواح ضائعة تبحث عن انتقام.

ومع ذلك، رعد لم يكن مستعدًا أن يترك الأمر هكذا. شعر بأن قلبه يشتعل من الداخل. كانت خياراته قليلة، لكن لديه شيء واحد يراه طريقًا للخلاص.

“نحن لن نسمح لهم بالعودة”، قال رعد وهو يستعد للمعركة. “سنغلق البوابة. سنمنعهم من العودة.”

ولكن قبل أن يتخذ أي خطوة، لاحظ كادوس شيئًا عجيبًا: “إذا أغلقنا البوابة الآن، سنحررهم إلى الأبد. لا يمكننا التراجع. سيأتي يوم يندم فيه الجميع على ذلك.”

كانت الغابة تعج بالفوضى، وكأن الطبيعة نفسها كانت تتألم من قرارهم. الأشجار اهتزت بعنف، والريح زادت قوتها حتى أصبحت كالعاصفة. كان القرار في يد رعد، وكان عليه أن يختار بسرعة: إما أن يواصل محاربة المخلوقات ويحاول إغلاق البوابة إلى الأبد، أو أن يسلم مصير الجميع في يد قوة لا يمكن تصورها.

وبينما كانت المخلوقات تقترب منهما، رعد شعر بشيء غريب في قلبه. بدا وكأن هناك ضوءًا جديدًا ينبعث من الشجرة نفسها، وكأنها كانت تناديه لفعل شيء لم يفكر فيه من قبل. رأى في رؤيته العميقة أن الحل يكمن في الشجرة، وأنها ستمنحه القوة اللازمة لتحقيق انتصاره، ولكن ثمنها سيكون باهظًا.

“لا يمكنني التراجع الآن”، همس رعد لنفسه، وهو ينظر إلى سلافا وكادوس. “سنغلقها للأبد.”

حارس الغابة – النهاية


شعار-قصص

هنا و هنا

Scroll to Top