في قلب غابة خضراء مليئة بالأشجار العملاقة، عاش الببغاء الحكيم يدعى “بومبو”. كان بومبو يمتاز بريشه الزاهي الذي يتدرج بين الألوان الخضراء والزرقاء والذهبية، وكان يملك من الحكمة والمعرفة ما جعله محط احترام جميع الحيوانات في الغابة. بومبو لم يكن مجرد ببغاء؛ بل كان صديقًا مخلصًا ومستشارًا موثوقًا لدى الحيوانات، يساعد الجميع عندما يواجهون مشاكل أو يتعرضون لأوقات عصيبة.
كانت الغابة مليئة بالأصدقاء الذين يتقاسمون معًا الحياة والأحلام. بين هؤلاء الأصدقاء، كانت هناك السلحفاة “توتا”، والأرنب “رابو”، والقرد “كاكو”، بالإضافة إلى الغزال “ليلي”. كانت كل هذه الحيوانات تحب بومبو وتلجأ إليه للنصح والإرشاد. وكان بومبو يساعدهم بحب واهتمام، حيث كان يرى فيهم جزءًا من عائلته.
ذات يوم، جاءت السلحفاة توتا إلى بومبو بمشكلة تؤرقها. كانت بطيئة في حركتها، وغالبًا ما كانت تشعر بأنها غير قادرة على مواكبة أصدقائها في التنقل والمغامرات. أخبرت توتا بومبو بشعورها بالحزن لأنها لم تستطع المشاركة في العديد من الألعاب التي يلعبها أصدقاؤها بسبب بطئها.
ابتسم بومبو وقال لها بصوته العميق الهادئ: “يا عزيزتي توتا، القوة لا تكمن في السرعة فقط، بل في القدرة على المثابرة والصبر. لديكِ القدرة على التحمل التي لا يمتلكها كثيرون. لقد رأيتك تتجاوزين تحديات صعبة بفضل إصرارك.”
ثم أخبر بومبو توتا قصة قديمة عن سلحفاة أخرى كانت تعيش في الغابة منذ زمن بعيد، وقد استطاعت بفضل صبرها وإصرارها الفوز في مسابقة للسباق ضد أرنب سريع. امتلأت توتا بالثقة، وشكرت بومبو على نصيحته الحكيمة، وعادت إلى أصدقائها وهي تشعر بفخر كبير بنفسها.
في يوم آخر، جاء الأرنب رابو إلى بومبو حزينًا وقلقًا. كان رابو يعيش في خوف دائم من الثعالب في الغابة، وكان يخشى أن تلتهمه في أي لحظة. لم يستطع النوم بهدوء، وكان دائم الحذر من أي صوت يسمعه.
أخذ بومبو نفسًا عميقًا وقال: “الخوف شعور طبيعي يا رابو، ولكن يجب ألا ندعه يسيطر على حياتنا. بدلاً من أن تعيش في خوف، يمكنك أن تتعلم طرقًا لحماية نفسك وتجنب المخاطر.”
ثم بدأ بومبو بتعليم رابو بعض الطرق البسيطة للاختباء والهروب. نصحه باستخدام أذنيه الحادتين للاستماع إلى أي حركة غير طبيعية، وأن يحاول أن يختبئ في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. مع مرور الأيام، بدأ رابو يشعر بثقة أكبر وأصبح أكثر شجاعة. بات قادرًا على مواجهة مخاوفه، وشكر بومبو من أعماق قلبه على دعمه ونصائحه.
القرد كاكو كان مغامرًا لا مثيل له، ولكنه كان أحيانًا متهورًا، مما يجعله يقع في المشاكل. كان يتسلق الأشجار العالية ويقفز من شجرة إلى أخرى دون أن يفكر في المخاطر. وفي أحد الأيام، كاد أن يسقط من شجرة عالية لولا أن أمسك بغصن في اللحظة الأخيرة.
بعد هذا الحادث، شعر كاكو بالخوف وذهب إلى بومبو ليحدثه عن مخاوفه. استمع بومبو إلى كاكو، وقال له: “من الرائع أن تكون مغامرًا، لكن يجب أن تتعلم أيضًا أن تتحلى بالحكمة وتتوقع المخاطر. المغامرات الحقيقية هي تلك التي تستمتع بها وتعود منها بسلام.”
بدأ بومبو يعلم كاكو كيفية التوازن وكيفية تقدير المخاطر قبل القيام بأي قفزة. بفضل بومبو، تعلم كاكو أن يكون أكثر حذرًا في مغامراته، وأصبح يستمتع بها دون أن يعرض نفسه للخطر.
الغزال ليلي كانت تشعر بالقلق تجاه مظهرها الخارجي. كانت ترى نفسها جميلة، لكنها كانت تشعر بعدم الأمان أحيانًا عندما تقارن نفسها ببعض الحيوانات الأخرى ذات الفراء الأجمل أو الألوان الأكثر إشراقًا. كان هذا القلق يجعلها تشعر بعدم الثقة في نفسها.
ذهبت ليلي إلى بومبو لتشكو له ما يجول في خاطرها. سمع بومبو كلماتها، ثم قال لها بحنان: “يا ليلي، الجمال ليس فقط في الشكل الخارجي. الجمال الحقيقي ينبع من الداخل، من طيبة القلب وحب الآخرين. أنتِ جميلة بروحك وعطفك على أصدقائك.”
ثم ذكر بومبو بعض القصص عن حيوانات أخرى كانت تبدو عادية في مظهرها، لكنها كانت محبوبة من الجميع بسبب لطفها وكرمها. شجعها بومبو على أن تفخر بنفسها وأن تركز على تطوير صفاتها الجميلة. بمرور الوقت، شعرت ليلي بالراحة والثقة، وبدأت ترى نفسها أجمل من أي وقت مضى.
في أحد الأيام، وصلت أخبار سيئة إلى الحيوانات في الغابة. فقد سمعت توتا ورابو وكاكو وليلي أن مجموعة من الصيادين يقتربون من الغابة بهدف الإمساك ببعض الحيوانات وبيعها. انتشر الذعر بين الحيوانات، وبدأت جميعها تبحث عن مكان آمن للاختباء.
تجمع الأصدقاء الأربعة حول بومبو، وهم يشعرون بالخوف الشديد، طالبين نصيحته. كان بومبو يعلم أن هذا الموقف يتطلب تفكيرًا جماعيًا وتعاونًا بين الجميع. قال لهم: “علينا أن نتحد كعائلة واحدة. إذا عملنا سويًا، فسوف نجد طريقة لحماية أنفسنا من هؤلاء الصيادين.”
بدأ بومبو بوضع خطة ذكية لحماية الحيوانات في الغابة. قسم الأصدقاء إلى مجموعات، بحيث يكون لكل مجموعة دور محدد. طلب من كاكو القرد أن يستكشف المنطقة المحيطة ويبلغهم عن أي اقتراب للصيادين. بينما كلف رابو بتوفير إشارات تحذيرية للحيوانات الأخرى، ووضع توتا في مكان آمن لقيادة عملية إجلاء الحيوانات الصغيرة والمسنّة.
عملت الحيوانات بانسجام، متبعة توجيهات بومبو. كان كل فرد منهم يؤدي دوره ببراعة، وتعلموا كيف يمكنهم العمل كفريق واحد لمواجهة الخطر.
بفضل تخطيط بومبو وتعاون الحيوانات، استطاعوا التغلب على تهديد الصيادين وتجنبهم. أدرك الصيادون أن الغابة مليئة بالحيوانات الذكية، فقرروا المغادرة وعدم العودة. كانت هذه التجربة مهمة جدًا للحيوانات، حيث تعلموا خلالها أهمية العمل الجماعي والتعاون لمواجهة الأخطار.
أصبحت الحيوانات تقدّر بومبو أكثر من أي وقت مضى، واعتبرته حكيم الغابة ومرشدها الروحي. كانوا يشعرون بالامتنان لوجوده بينهم، ولحكمته التي قادتهم إلى الأمان.
بعدما رحل الصيادون، قررت الحيوانات إقامة احتفال كبير تعبيرًا عن فرحتها بالأمان، وتقديرًا لجهود بومبو. تجمع الجميع في ساحة واسعة في وسط الغابة، وأقاموا وليمة مليئة بالفواكه والأطعمة الشهية.
في أثناء الاحتفال، ألقى كاكو القرد كلمة نيابة عن الحيوانات، شكر فيها بومبو على شجاعته وحكمته، وأكد أنهم تعلموا الكثير من تجربتهم. ثم تحدث بومبو قائلاً: “أنتم أصدقائي وعائلتي، وأنا سعيد بكم وبقوتكم. تذكروا دائمًا أن الاتحاد هو القوة الحقيقية، وأن العمل الجماعي يجعلنا قادرين على مواجهة أي تحدٍ”.
بعد هذه التجربة، أصبحت الحيوانات أكثر حكمة وثقة بالنفس. تعلموا أن الجمال في التعاون، وأن القوة ليست دائمًا في الشكل أو السرعة، بل في القلب والعقل والعمل معًا لتحقيق الأمان والسعادة.
أصبح بومبو رمزًا للحكمة في الغابة، وكان الجميع يلجأ إليه للنصح في جميع الأمور، سواء كانت كبيرة أم صغيرة. وظل بومبو يساعدهم بكل حب واهتمام، مقتنعًا بأن الغابة ستكون دائمًا مكانًا آمنًا بفضل قلوبهم المتعاونة وأرواحهم الطيبة.
وهكذا استمرت حياة الغابة في سعادة وهدوء، بفضل حب الحيوانات لبعضها، وعملها المشترك لمواجهة التحديات. أصبحت قصة “الببغاء الحكيم وأصدقاؤه في الغابة” تتناقلها الحيوانات جيلاً بعد جيل، لتبقى مثالًا على أهمية الحكمة، التعاون، والمحبة.
في يوم من الأيام، بينما كانت الغابة تعيش في هدوء بعد التهديد الذي مر به الجميع، دخل إلى الغابة كائن غريب لم تره الحيوانات من قبل. كان يحمل أجنحة طويلة ولامعة، ويلوح في السماء كالسهم، يطير بسرعة كبيرة. وصل هذا الكائن إلى وسط الغابة، حيث كان بومبو يتأمل الأشجار من مكانه المعتاد على فرع شجرة عالية. عندما لاحظ بومبو الطائر، شعر بشيء غير عادي، فهو لم يكن من سكان الغابة.
هبط الطائر بهدوء بالقرب من بومبو، وعرف نفسه بأنه “زيوس”، طائر حكيم جاء من الغابة المجاورة التي كانت تعرف بالغابة القديمة. أخبر زيوس بومبو أنه جاء لينبهه إلى أمر بالغ الأهمية. “أهناك شيء جديد يحدث في الغابة؟” سأل بومبو بحذر، وهو يراقب الطائر بعناية.
قال زيوس بصوت عميق: “هناك ظلال جديدة في الغابة القديمة، ظلال قادمة من الجبال. هناك خطر يلوح في الأفق، وحان الوقت لكي تتوحد الغابات جميعها لمواجهة هذا التهديد.”
مع هذه الكلمات، انتفض بومبو وأخذ يطير من شجرة إلى أخرى ليجمع أصدقاءه. سارعت الحيوانات المختلفة في الغابة إلى الاجتماع تحت شجرة الحكمة، حيث كان بومبو ينتظرهم. حضر الجميع: توتا السلحفاة، رابو الأرنب، كاكو القرد، وليلي الغزال. أما زيوس فقد جلس جانب بومبو، يراقب الوضع بترقب.
قال بومبو وهو ينظر إلى أصدقائه: “لقد سمعنا الآن عن خطر يهددنا جميعًا. الظلال التي تحدث عنها زيوس هي إشارة إلى شيء غامض وقوي. قد يكون وقتًا صعبًا على الجميع، لكننا يجب أن نتعاون أكثر من أي وقت مضى.”
كان قلق جميع الحيوانات واضحًا على وجوههم، ولكن بومبو أكمل حديثه قائلاً: “أصدقائي الأعزاء، كما تعلمون، نحن قادرون على التغلب على أي صعوبة إذا اتحدنا. دعونا لا ننسى قوة العمل الجماعي. سنحتاج إلى كل واحد منا في هذا التحدي.”
قالت توتا بحذر: “لكن ماذا عن تلك الظلال؟ هل هي أعداء؟ أو شيء آخر؟”
أجاب زيوس: “لن نعرف بالتأكيد إلا عندما نقترب منهم. علينا أن نكون مستعدين لأي شيء، لأن الغابة القديمة تعرف الكثير من الأسرار.”
قرر الجميع أن يستعدوا لما سيأتي. بدأ كاكو في تنظيم خطة الاستكشاف، معتمدًا على سرعته وخفته في التنقل بين الأشجار. أما رابو فاقترح أن يضع إشارات تحذيرية على أطراف الغابة، بحيث تكون الحيوانات الصغيرة والمسنة في أمان. ليلي، التي كانت تشعر بالخوف، عرضت أن تساعد في إرشاد الحيوانات إلى أماكن آمنة إذا لزم الأمر.
بينما كانوا يجهزون خططهم، رن صوت غريب في الأفق، صوت يشبه الزئير. شعر الجميع بأن الوقت قد حان للتحرك. بدأت الحيوانات في التحرك بسرعة، وعينهم على الظلال التي كانت تظهر بشكل غامض على حدود الغابة. كان هناك إحساس بالقلق، ولكنهم ظلوا متماسكين في خططهم.
في اللحظة التي اقتربوا فيها من الحافة الشرقية للغابة، ظهرت أولى تلك الظلال. كان هناك كائنات ضخمة، تشبه الأشباح، تتحرك ببطء نحو الغابة. قال زيوس: “إنهم كائنات من العصور القديمة، قد يعودون من أجل تدمير كل شيء في طريقهم.”
شعر الجميع بالذعر للحظة، لكن بومبو أشار بيده قائلاً: “لا داعي للخوف. تذكروا أننا أقوياء معًا. نحن عائلة، والتهديد الأكبر هو أن نفقد الأمل.”
تبدأ الحيوانات بالاختباء في أماكنها المحددة، وكان لكل واحد منهم دور مهم. بينما كانت الظلال تقترب، قررت الحيوانات أن تستدرجهم بعيدًا عن مركز الغابة باستخدام تكتيك ذكي. بدأ كاكو في القفز من شجرة إلى شجرة، مما جذب انتباه الكائنات الغريبة. تبعته الظلال، معتقدة أنه مصدر الخطر.
في تلك الأثناء، استخدم رابو إشاراته لتنبيه باقي الحيوانات، بينما كانت توتا تقود الحيوانات الصغيرة نحو أماكن آمنة. ليلي كانت على أهبة الاستعداد لإرشاد الجميع إذا تطلب الأمر.
مرت دقائق عصيبة، وكانت الظلال تزداد كثافة. ومع ذلك، نجحت الحيوانات في إبعادها عن قلب الغابة. وبفضل التعاون المستمر، بدأ الكائنات الغريبة في التراجع.
وفي اللحظات الأخيرة، ظهر بومبو بجانب زيوس وقال: “لقد نجحنا بفضل اتحادنا. لكن علينا أن نكون مستعدين دائمًا لأن هذه الظلال ليست سوى البداية. الغابة قد تواجه تحديات أكبر في المستقبل.”
كان الجميع يشعر بالفخر والامتنان، لكنهم عرفوا أن التحدي لم ينته بعد. كانت الغابة قد اجتازت هذه الأزمة بسلام، ولكنهم أدركوا أن الحكماء دائمًا ما يخططون للغد، وأنهم يجب أن يظلوا متحدين في مواجهة أي خطر جديد.
بينما كانت الغابة تعيش في هدوء نسبي بعد المعركة مع الظلال، بدأ الهدوء يخفي خلفه شيئًا غير طبيعي. في صباح يوم مشرق، بينما كان بومبو يستمتع بأشعة الشمس على فرع شجرة عالية، سمع صوتًا غريبًا قادمًا من أعماق الغابة. كان الصوت كهمسات، كأنها أنفاس غير مرئية تتنقل بين الأشجار. لم يكن صوت الرياح أو أي من الحيوانات المعتادة، بل كان شيئًا غريبًا.
توقف بومبو عن الطيران، وحاول الاستماع أكثر. في تلك اللحظة، شعر بشيء مختلف. فبينما كان يراقب الأفق، لفت انتباهه شيء يلمع بين الأشجار البعيدة. اقترب ببطء ليكتشف مصدر الضوء. وعندما وصل إلى المكان، اكتشف شيئًا مذهلاً: كانت هناك فتحة صغيرة في الجدار الخفي للغابة، وهو شيء لم يرَه من قبل.
بينما كان يقف أمام الفتحة محيرًا، خرج منها شخص غريب. كان يبدو كإنسان ولكنه يحمل سمات غريبة: كان طويلًا جدًا، جلده أملس كالمرآة، وعيناه تتوهجان باللون الأزرق الفاتح. لم يكن كائنًا من هذا العالم. شعر بومبو ببعض التوتر، لكنه حاول الحفاظ على هدوئه.
قال الشخص الغريب بصوت عميق ومهيب: “أنا آرون، من أرض ما وراء الجبال. أتيت لتحذيركم.”
اقترب بومبو قائلاً: “تحذير؟ من؟”
أجاب آرون: “هناك قوى مظلمة في العالم القديم، وهي تستعيد قوتها. الظلال التي رأيتموها ليست سوى جزء صغير من شيء أكبر، شيئًا يسعى لتدمير الغابات والنظم الطبيعية.”
بدأ بومبو يشعر بحجم الخطر الذي يقترب، فجمع أصدقاءه على الفور. عاد إلى وسط الغابة حيث كان كل شيء هادئًا، لكنه كان يعلم أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات جادة. عندما وصل، شرح لهم ما سمعه عن آرون، وقال لهم: “علينا أن نكون مستعدين. يبدو أن العدو الحقيقي لم يظهر بعد.”
كان رابو متشككًا قليلاً، فقال: “هل نثق في هذا الكائن؟ يبدو غريبًا. ربما يكون جزءًا من التهديد نفسه.”
لكن زيوس، الذي كان حاضرًا، نظر إلى آرون بعينين ثابتتين وقال: “لا أعتقد أن هذا الكائن هو جزء من الخطر. لكنه قد يحمل إجابات نحن بحاجة إليها.”
أضافت ليلي: “إذا كان ما يقوله صحيحًا، فعلينا أن نكتشف ما يمكننا فعله لمنع ما هو قادم. لن نتمكن من التغلب على العدو بمفردنا.”
قررت الحيوانات أن تتعاون مع آرون. وقد أخبرهم عن مكان قديم، يُقال إنه يحتوي على أسرار قديمة تتعلق بالقوى المظلمة. هذا المكان كان يُعرف باسم “السراديب المحجوبة”. كان مخبأً عميقًا في قلب الغابة، حيث لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال معابر قديمة مليئة بالفخاخ.
لم يكن الطريق سهلاً. كانت الحيوانات بحاجة إلى التعاون أكثر من أي وقت مضى. قادهم آرون إلى المدخل المظلم للسراديب المحجوبة، حيث كانت أصوات الرياح تصفر في أرجاء المكان. بدأت المجموعة تتسلل بحذر عبر الأنفاق الضيقة، محاولين تجنب الفخاخ القديمة.
بينما كانوا يتقدمون، شعر بومبو بشيء غير طبيعي في الهواء. فجأة، انفجرت صخرة كبيرة من الأرض، وعبرت كائنات مظلمة عبر الظلام، وكأنها كانت تنتظرهم. كانت هذه الكائنات أقوى وأكثر شرًا مما رأوها من قبل.
صرخ زيوس: “هذه هي القوى التي نتحدث عنها! يجب أن نحاربها!”
بومبو قاد الهجوم الأول، وهو يطير في الهواء بسرعة، محاولًا إرباك الأعداء. رابو قفز بسرعة ليفاجئهم من الأرض، بينما بدأ كاكو في رمي الحجارة الكبيرة ليعيق تقدمهم. ليلي كانت ترشد الحيوانات الصغيرة إلى مكان آمن، بينما توتا كانت تحاول حمايتهم باستخدام قوقعتها.
لكن رغم جهودهم، كانت القوى المظلمة تزداد قوة. فجأة، ظهر من العدم كائن ضخم، كان يشع شرًا. كان وجهه مليئًا بالأشواك وعيناه تشع بالكراهية. كان أقوى من كل الكائنات التي رأوها حتى الآن.
قال آرون بصوت هادئ: “إنه ملك الظلال. هذه هي اللحظة التي كان ينتظرها، ولكنه ضعيف الآن لأنه لا يزال متعطشًا للطاقة.”
بومبو شعر بشيء جديد ينبعث من قلبه، وكان يعرف أنه يجب أن يفعل شيئًا. لم يكن لديه وقت للانتظار. خاطب الحيوانات قائلاً: “علينا أن نركز طاقتنا معًا. إذا اتحدنا، سنتمكن من هزيمته!”
بدأت الحيوانات في جمع قواها معًا. توحدت قلوبهم، وبدأت قوتهم تتكامل. بومبو، بقلبه القوي، قاد الهجوم الأخير، ووسط الضوء الساطع الذي أطلقته القوة المشتركة لهم، انفجرت الظلال أمامهم، وسقط ملك الظلال على الأرض، منهارًا.
لم تنتهِ المعركة هناك، ولكن بفضل شجاعتهم وتعاونهم، تمكنت الغابة من الانتصار. رحب بومبو وأصدقاؤه بآرون، الذي منحهم المفاتيح التي يحتاجونها للحفاظ على توازن الغابة وحمايتها من أي تهديدات قادمة.
كانت الغابة تنبض بالحياة مجددًا، ولكن الجميع عرف أن التهديدات لا تزال كامنة في الأماكن المظلمة. وكان لديهم الآن أمل جديد في مواجهة كل تحدٍ قد يطرأ، معًا.
في الأيام التي تلت المعركة الكبرى ضد ملك الظلال، بدأت الغابة تستعيد حياتها، لكن شيئًا ما كان يشير إلى أن السلام كان مؤقتًا. بينما كانت الحيوانات تجتمع بالقرب من بحيرة نهرية، حيث كانت أشعة الشمس تتناثر على سطح الماء، فوجئ الجميع بظهور شخص غريب عند الأفق.
كان هذا الشخص يرتدي رداءً داكنًا، وجسده مغطى بتعويذات قديمة تتناثر عليها خيوط من الضوء الخافت. كانت ملامحه غامضة، وعيناه تحاكي بريق النجوم. تحدث بصوت عميق، وكأن الكلمات تخرج من عالم آخر: “أنا إيليوس، ولي مهمة في هذا المكان.”
توقفت الحيوانات جميعًا عن الحديث، لكن بومبو كان هو الأول الذي اقترب منه. سأل بفضول: “من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟”
أجاب إيليوس بابتسامة هادئة: “أنا مرشد من أرض الأرواح، أتيت لتحذيركم. هناك شيء أعظم من الظلال يقترب. ليس خطرًا ماديًا فقط، بل هو تهديد للروح ذاتها. يجب عليكم أن تجدوا مفتاح الحياة لإغلاق البوابة المظلمة قبل أن تتمكن القوى الشريرة من دخول عالمكم.”
بدأت الحيوانات تشعر بالقلق، خاصة بعد أن سمعوا عن خطر جديد قادم. فقالت ليلي، التي كانت تتأمل الوضع: “مفتاح الحياة؟ هل تقصد شيء يمكننا العثور عليه هنا في الغابة؟”
إيليوس أومأ برأسه وقال: “نعم، لكن ليس في هذه الغابة. المفاتيح مخفية في ثلاثة أماكن مقدسة. المكان الأول هو جبل الرياح الساكنة، حيث لا يستطيع أحد الصعود دون إجابة على أسئلة الروح. المكان الثاني هو وادي النجوم الساقطة، حيث تختبئ الأسرار بين الصخور الساكنة. أما الثالث فهو قلب الغابة، حيث تكمن القوة الأساسية.”
شعر الجميع بالارتباك، لكن آرون، الذي أصبح أحد أبطال الغابة، قرر أن يبدأوا في البحث. وقال: “إذا كان هذا هو الطريق الذي سيتعين علينا اتباعه، فعلينا أن نكون مستعدين لأي شيء.”
انطلقت المجموعة في رحلتها، عابرة الممرات المخفية في الغابة. حين وصلوا إلى جبل الرياح الساكنة، كانوا في انتظار اختبار قد يغير مسارهم للأبد. قفز بومبو فوق الصخور العالية، وكان زيوس يراقب الأفق بحذر، بينما رابو يقترب من الجدار الصخري لتفحص ملامحه.
في القمة، كان هناك هيكل قديم من الحجر يزينه نقوش غريبة. قالت ليلي بصوت منخفض: “يبدو أن هذا هو المكان.”
فجأة، ظهرت أشكال من الغيوم البيضاء، ومن داخلها صوت عميق يردد: “من يسعى لفتح البوابة؟”
أجاب بومبو بثقة: “نحن نبحث عن مفتاح الحياة. هل من أسئلة يجب أن نجيب عليها؟”
قال الصوت، وكأن العواصف تبدأ بالهدوء: “ثلاثة أسئلة ستكون مفتاحكم. الإجابة الصحيحة ستفتح الطريق، لكن إذا أخطأتم، ستظل أرواحكم عالقة هنا إلى الأبد.”
الجميع تفرسوا في السماء بعينين متسائلتين، فابتسم إيليوس وقال: “أنا هنا للمساعدة. اجتمعوا حولي، استمعوا للأول.”
قال الصوت: “ما هو الشيء الذي لا يمكن رؤيته، ولكن يمكن الشعور به؟”
بسرعة أجاب آرون: “الريح.”
“إجابة صحيحة”، جاء الصوت.
ثم سأل الصوت السؤال الثاني: “ما الذي يذهب للأمام دائمًا ولكن لا يعود أبدًا؟”
قال زيوس بعد تفكير: “الوقت.”
“إجابة صحيحة”، قال الصوت مرة أخرى، وكأن العواصف أصبحت أكثر هدوءًا.
وأخيرًا، سأل الصوت: “ما هو الشيء الذي لا يملك شكلًا، لكنه يعبر جميع العوالم؟”
هذه المرة، صمت الجميع. كانت الإجابة محيرة، لكن بومبو تذكر كلمة إيليوس عن “الروح”. فقال أخيرًا: “الأمل.”
عندما نطق بومبو الإجابة، بدأت الأرض تهتز. انفتحت أمامهم بوابة ضبابية، تظهر ضوءًا باهرًا يعمي العين. قال إيليوس بحكمة: “لقد اجتزتم الاختبار. الآن، الطريق إلى وادي النجوم الساقطة مفتوح.”
استمروا في مسيرتهم عبر الغابة حتى وصلوا إلى وادي النجوم الساقطة. هناك، كانت الصخور المتناثرة تعكس أضواء غريبة. بدأوا في البحث بين الصخور، ليجدوا مفتاحًا معلقًا بين اثنين منها. لكن سرعان ما سمعوا أصواتًا غريبة تقترب منهم. كانت أشكال مظلمة تطفو في الأفق.
قال إيليوس: “هم قادمون… يجب أن نجد آخر المفاتيح قبل أن يحين الوقت.”
بينما كانت الكائنات تقترب، بدأ الجميع يتجمعون حول قلب الغابة. التحدي كان كبيرًا، والوقت ضيق. ولكن مع القوة التي اكتسبوها من كل تجربة، كانوا مستعدين لأي شيء.